بعد تناولي الطعام الليلة في أحد فروع سلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة بالقاهرة.
وأثناء دفعي للحساب لفتَ انتباهَ بعض العاملين هناك ذلك الكتابُ الذي كنتُ أحمله بيدي، فلوحَ أحدهم رقبته في محاولةٍ منهُ لمعرفةِ اسم الكتاب، قبل أن أبتدره أنا بعنوان الكتاب قائلًا: "كم حياة ستعيش؟!"..
بدت على وجهه علامات الاندهاش حتى ظنَّ أن هذا سؤالًا أطرحهُ عليه، فأجابني بطريقةٍ عفوية: "حياتان".
صححتُ له الأمر قائلًا: هذا فقط عنوانُ الكتاب يا صديقي، وليس سؤالًا أطرحه عليك..
حينها طلبَ مني-هو ورفاقه- أن أترك لهم الكتاب ليستفيدوا هم والزبائن من قراءته من خلال وضعه في مكتبة المطعم، والتي كانت تبدو شبه خاليةٍ إلا من بعض "قوائم الطعام".
لكني اعتذرتُ عن ذلك؛ لأني لم أقرأ الكتابَ بعد، فقد اشتريتهُ قبل دخولي المطعم بوقتٍ قليل.
حينها خطرَ في عقلي أن أقدم لهم عرضًا قائلًا: إنني على استعداد أن أملأ لكم هذه المكتبة بمجموعة جيدة ومشوقة من الكتب الإسلامية والثقافية كهديةٍ لكم؛ لتستفيدوا ويستفيدَ الزائرون منها. فوافقوا على الفور بعد عرض الأمر على مديرهم..!
دعونا الآن نطرحُ بعض الأسئلة والاستنتاجات..
قد أكونُ مقلًا من الذهاب إلى مثل هذه الأماكنِ أو مكثرًا، لا يهمُّ هذا، السؤالُ الآن: كم مرةً ذهبتَ إلى هناكَ لتأكل؟ إن كان كثيرًا؛ فهل فكرتَ في مرةٍ أن تعرضَ عليهم بعد فراغك من الطعام أمرًا كهذا كوسيلة للدعوة إلى الله تعالى؟!
كم مرةً ذهبتَ إلى هذا المطعم-أو غيره- لتأكل ثم توزع بطاقات ومطويات دعوية على طاقم العمل هناك؟!
كم مرةً ذهبتَ إلى هناك لتأكل وقمتَ بتغيير المنكر كالأغاني والتلفاز؟!
كم مرة ذهبتَ إلى هناك لتأكل ثم تترك أثرًا طيبًا كسفيرٍ للداعين إلى الله تعالى؟!
إذا كنتَ لم تفعل شيئًا من هذا.. فسامحني إنْ قلتُ لك: إن طعامك بلا فوائد.. فأنتَ تأكلُ لمجردِ الأكل.. لا للتقوِّي على العبادة.. وشتانَ بين صاحبي النيتَيْن!
أخي الحبيب.. لا أسردُ لك بذكري لهذه القصة يومياتَ حياتي لتتأملها.. ولا أدعي-والله يعلم- لنفسي فضلًا أو يدًا فيما حدث، وإنما الفضلُ لله وحده.. ولكن لنأخذ جميعًا بالأسباب!
أخي الحبيب.. دعني أكنْ أكثرَ صراحةً معك؛ سنواتٌ مضت على التزامك.. ثم ماذا؟! ألم تفكر مرة في الدعوة إلى الله تعالى؟! ألم يراودك حمل هم هذا الدين؟! إن عليك يا صاحبي مسئولية كبيرة وأمانة عظيمة ستسألُ عنها أمام الله تعالى.. وهي أمانةُ الكلمة!
إنني أريدك أن تخترقَ حاجزَ الصمتِ الذي تجلسُ خلفه لتتكلم، لتنطقَ بالصدق وتصدع بالحق، لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لتدعو إلى الله تعالى.. لتكون أكثر إيجابية.
أخي الكريم.. لتعلم أن الله تعالى قادرٌ على أن ينصر هذا الدين بنا.. وأنه قادرٌ على أن ينصره بغيرنا.. وأنه جلَّ في علاه قادرٌ على أن ينصر هذا الدين لا بنا ولا بغيرنا، وإنما بجندٍ من جنوده الذي لا يعلمها إلا هو!
فهل ترضى يا أخي الحبيب أن يستبدلك الله تعالى ولا يستعملك؟! أترضى أن ينصرَ الله تعالى هذا الدين بغيرك؟! أما تعلمُ أن الله تعالى إذا أحبَّ عبدًا استعمله، كما يقولُ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟!
أخي، كم زميلًا لك في عملك أو دراستك من تاركي الصلاة؟ هل فكرتَ يومًا في نصحهم؟ أم أنك ألقيتَ عن عاتقكَ هذه الأمانة واكتفيت ببغضهم في الله؟!!
كم من جيرانك ممن يسمعُ الأغاني ويشربُ الدخان من أصحاب القلوب الطيبة الذين يؤدون لو امتدتَ إليهم يدكَ "الحانية" برفق لتنتشلهم من ظلمات المعاصي؟
كم تعرفُ لكَ من الأقارب غيرِ المحجبات؟ فهل فكرتَ يومًا في إعطاء إحداهن كتابًا أو أسطوانة كوسيلة للدعوة إلى الله تعالى؟
أخي الكريم.. هذا غيضٌ من فيض مما ينبغي عليك.. وطرائقُ الدعوة إلى الله تعالى كثيرة.. ستفتحُ عليك أبوابها بإذن الله.. فقط حينما تتحلى بالشجاعة الكافية لتكون إيجابيًّا، وتتحرك من أجل الدعوة إلى الله تعالى ونصرة هذا الدين العظيم.
فتحركَ يا أخي ودع عنك المثبطين.. فإن طريقَ التمكين لهذا الدين طويلٌ.. ولا يحتاجُ إلا لذوي الهمة والعزيمة من الرجال المخلصين.
وللأخواتِ الفاضلات أقول: عليكن مثلُ ما علينا من أمانة التبليغ والدعوة إلى الله تعالى.. فاجتهدن في نشر رسالة الإسلام على كل بقعة أرض تطؤها أقدامكن الطاهرة.
والله وحده من وراء القصد.
الكاتب: عاصم الشوادفي
بقلم: موقع قصة الإسلام